الأحد، 3 يوليو 2016

لسنا ملائكه كتبه / أسامه عباس



خلق الله البشر بطبيعة بشرية ذات خصائص معينة ولم يخلقها بطبيعة ملائكية .
طبيعة متقلبة تصيب وتخطئ . حتى في أكثر النماذج تدينا وتقوى لابد ان ترى خطئا ما يصدر منها.
وهذا ليس مستبشعا ولا مستغربا من جنس سماه النبي ص (( الخطاؤون ))
بل أن الإسلام أرشد إلى التعامل مع هذه الطبيعة على وفق خلقة الله لها لا على وفق خلق الله للملائكة.
فمن أخطأ وزلت قدمه في أمر من ذلك فكل ما عليه هو التوبة من هذا الذنب والعودة إلى الله تعالى .
ومن هنا كان اختلاف العلماء في أفضلية الملائكة على بني آدم أو العكس عدا الأنبياء.
فمن فضل الملائكة على بني آدم نظر حيث أصل الخلقة و طبيعتها التي هي طاعة لله تعالى بلا شهوة مركبة.
ومن فضل صالحي بني آدم نظر إلى الطبيعة المركبة من شهوة ومقاومتها ونظر إلى مآلات الأمور وأن الملائكة في النهاية خدم لصالحي بني آدم في الجنة .
وهذا أمر تفصيله في كتب التفاسير.
كانت هذه مقدمة لمبدا نريد تكريسه في نفوس المسلمين بعدما غاب عنهم لفترة من الزمان.
ألا وهو أن الإسلام لم يأت لقولبة النفوس البشرية في أطر ملائكية لا تخطئ . بل جاء للأخذ بهذه الطبيعة التي أصلها الظلم والجهل و التي تخطئ وتصيب إلى أكثر القوالب مثالية بقدر الاستطاعة . (( فاتقوا الله مااستطعتم ))
ووعد سبحانه بفضله ومنته وكرمه من نهى نفسه عن الهوى بالجنات الخالدة.(( فأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي الماوى ))
لذلك لما كانت الطبيعة البشرية المركبة في بني آدم لا بد لها من تشريعات مناسبة لها لا رهبانية ولا انحلالية ليبرالية.
فشرع الله تعالى القصاص  الذي هو اصل من أصول الكون .
وانا في هذا المقام لا أتكلم عن القصاص بمفهومه الشمولي العام بل أتكلم عن نقطة متفرعة منه.
ألا وهي رد الإساءة أو  الانفعالات المعتادة التي ربما لا يضبطها من كان منفعلا او متغيظا أو غاضبا.
خصوصا بعد حالة الانقسام التي يعاني منها المصريون الآن .
ترى طرفا يستفز الآخر ويتهمه بالباطل ويكيل له الاتهامات ويكيد له ويقعد له كل مرصد.
فإذا ما رد الطرف الآخر منفعلا بشئ فيه إساءة او سب أو مكيدة . تراه يعلو صوته (( أهذا هو الدين الذي تزعمونه ؟؟ أنتم تجار دين . انتم تسيئون للدين )) إلى آخر تلك الكلمات التي نسمعها .
وكما يقولون في الأمثال (( يستفزونك ويبالغون في استفزازك حتى يخرجو أسوا ما فيك ثم يتهمونك بسوء الخلق ))
ولا مانع من ان يخرج بعض المتدينين والدعاة الذين لا حظ لهم من فقه الواقع ويدعونه وهم يتصدرون للمشهد
فيلومون على الضحية ولا يوجهون كلمة واحدة للمجرم أو البادئ .
لا أريد ان أنظر للصراع على أنه سياسي وإنما اتكلم عن الأمر من نظره توافقية بين الطبيعة البشرية وبين دين الاسلام الذي هو دين الحق .
لما قال عروة بن مسعود الثقفي للنبي ص فوالله إني لأرى وجوها وأرى أوباشا من الناس خلقاء أن يفردوا ويدعوك فقال له أبو بكر رضى الله تعالى عنه امصص بظر اللات أنحن نفر عنه وندعه .....
فتلفظ أبو بكر بكلمة هي سب بلا نزاع  ولكن انظر ما يقول الحافظ بن حجر رحمه الله في هذه الكلمة .
قال الحافظ : فأراد أبو بكر المبالغة في سب عروة بإقامة من كان يعبد مقام أمه وحمله على ذلك ما أغضبه به من نسبة المسلمين إلى الفرار وفيه جواز النطق بما يستبشع من الألفاظ لإرادة زجر من بدا منه ما يستحق به ذلك أهـــ
وما نطق الحافظ بهذا الكلام إلا لأنه كان عالما ربانيا بحق .
وهذا عمر بن الخطاب يقول في نفس القسة للنبي ص : أليس دم احدهم كدم كلب ؟
.بل وتأمل في قول الله تعالى  ((وجزاء سيئة سيئة مثلها ))  ": قال البغوي :سمى الجزاء سيئة وإن لم تكن سيئة لتشابههما في الصورة. قال مقاتل : يعني القصاص في الجراحات والدماء. قال مجاهد و السدي : هو جواب القبيح إذا قال: أخزاك الله تقول: أخزاك الله، وإذا شتمك فاشتمه بمثلها من غير أن تعتدي. قال سفيان بن عيينة : قلت لسفيان الثوري ما قوله عز وجل: " وجزاء سيئة سيئة مثلها "؟ قال: أن يشتمك رجل فتشتمه، وأن يفعل بك فتفعل به، فلم أجد عنده شيئاً،
لانريد أن نؤصل  لأمر السب والشتم ولكن نريد فقط ان نؤصل لمقام النفوس البشرية انها ليست خلقة ملائكية .

والله من وراء القصد ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة @ 2013 مركز العز بن عبدالسلام للأبحاث و الدراسات.