( ابن تيمية و نقض المنطق الأرسطي )
بقلم أ / احمد يعقوب
بداية احب أن أتحدث أولا أن السلفية ليست تطامن العقل و لا تزدري بالقدرة و لا تحجر علي الموهبة و السلفية لا تورث صاحبها ذهنا فاترا ولا روحا بليدة و ليست السلفية قدر المحرومين من لذاذات العقول و مدارج الثقافة و مطارح الجمال .
و ليس الإبداع أن يتمرد قلم الكاتب علي النص ( قران و سنة ) و يجري في أفانين الغواية و يكسر حاجز المقدس الإبداع طوع قلم الكاتب إن هو أراد دون أن يستطيل علي الرب و الدين و يتهاون بالأصول و المعتقدات .
و نقض شيخ الإسلام ابن تيمية للمنطق الأرسطي لم يكن لمجرد الهدم , أي يهدم طريقة قديمة في التفكير بل كان لإظهار عدم كفاية هذه الطريقة في بلوغ المعرفة أو في عصمة التفكير الإنساني عن الوقوع في الخطأ ,و لأن طرق الاستدلال الحديثة موجودة في القران الكريم و من ثم فلا حاجة بنا إلي المنطق التقليدي طالما أننا نستغني بما هو أكثر دقة ,, و لذلك جاء رفضه واعيا عن دراسة و فهم و في دراساتنا لحجج ابن تيمية التي وجهها إلي المقام الموجب في الحد وجود تشابه بين نقد ابن تيمية و بين الوضعيين المنطقيين أو التحليليين المعاصرين في نقد المنطق الأرسطي خاصة كارناب و برتراند راسل و فتنجشتين .
ابن تيمية رحمه الله في نقده لفكرة الماهيات الثابتة و قوله بعدم وجود الماهيات و الكليات إلا في الأذهان يستخدم منهجا تحليليا لا يقل في دقته ووضوحه عن تحليلات فلاسفة ومناطقة التحليل المعاصرين رغم أنه يسبقهم بقرون و هذا يوضح عظمة و قوة و قيمة تراث ابن تيمية في المنطق , فكان رحمه الله من أكبر العقول العلمية التي عرفها التاريخ الإنساني و رائد دعوة تجديدية تنويرية قل أن بلغها دعوة مجدد في الإسلام و لا أبالغ إن قلت هو حجة الله علي العقول < يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا و ما يذكر إلا أولوا الألباب > 269 البقرة
ونقد ابن تيمية للمنطق اليوناني نقد خبير كشف بطريقة علمية دقيقة و عميقة فساد هذا المنطق و ما فيه من هدر للأوقات و الطاقات فيما لا طائل من وراءه , و بين رحمه الله ارتباط هذا المنطق بلغة اليونان و عقيدتهم الفاسدة كما نقض الأساس الذي يقوم عليه علم المنطق وبحث في كل قضاياه ودعاويه وحدوده و كلياته وجزئياته بتفصيل لم يسبق إليه و هو بذلك سبق بيكون و ديكارت وراسل و فنجشتين الذين لم يدخروا وسعا في مهاجمة المنطق و الفلسفة التقليدية و حملوها أوزار الجمود العلمي و القحط العقلي الذي ال الأمر إليه وتعجبوا من ضحالة الفلسفة التقليدية و عقمها و عجزها عن الإسهام الفعلي في رفاهية الإنسان و تقدمه و سعادته فوضع بيكون المنهج الاستقرائي التجريبي و ضمنه في كتابه <الأورجانون الجديد > أي المنطق الجديد و الالة الجديدة في مقابل <الأورجانون القديم > الذي يتضمن منطق أرسطو الذي أفسد العلم وأصاب العقل البشري بالجدب و العقم , و لنلاحظ أن بيكون قد نقض منطق أرسطو بما نقده به المفكر المسلم ( ابن تيمية )في كتابيه < نقض المنطق > و < الرد علي المنطقيين > و إنا لنتطلع إلي دراسة العلاقة بين هذين المفكرين العملاقين ابن تيمية و هو السابق و بيكون وهو اللاحق في ضوء نقض كل منهما أرسطو .
,وللحديث بقية ....

